في الوقت الذي يفترض أن تبنى فيه الدولة على أسس النزاهة والكفاءة والعدالة، نشهد اليوم انزياحاً مقلقاً نحو تسييس مفاصل الإدارة، وتحويلها إلى أدوات بيد القوى المتصارعة، توزع فيها المواقع لا وفق مبدأ الاستحقاق، بل بمنطق الولاءات والانتماءات.
حين تفرغ المؤسسات من مضمونها الوطني وتختزل في أدوار انتقائية لخدمة أطراف بعينها، فإننا لا نكون أمام خلل عابر، بل أمام مسار ممنهج يعيد تعريف الوظيفة العامة بوصفها مكافأة سياسية لا أمانة مهنية.
وما يزيد الأمر خطورة أن بعض المؤسسات والتي يفترض أن تكون عنواناً للاستقلال والمهنية تجد نفسها تدريجياً تحت وطأة تأثيرات غير موضوعية، تمس بنيتها الوظيفية وتخل بتوازنها الداخلي وتعرض هيبتها وفعاليتها لمخاطر جدية.
إن الدولة العادلة لا تبنى بمنطق المحاصصة المقنعة ولا يمكن أن تنهض في ظل ازدواجية القرار واختلال معايير التعيين والتكليف، وما نحتاجه ليس فقط مراجعة إدارية، بل نهج إصلاحي شجاع يعيد الاعتبار للجدارة ويفصل بوضوح بين ما هو وطني وما هو حزبي.
فالمؤسسات لا تستعاد بالشعارات، بل بإرادة سياسية حقيقية وبرؤية تدرك أن تحييد المؤسسة عن التجاذبات ليس ترفاً، بل أساس لبناء دولة لكل مواطنيها.
الدولة ليست غنيمة ولا ينبغي أن تكون كذلك.