آخر تحديث للموقع : الثلاثاء - 09 سبتمبر 2025 - 01:32 ص

تقارير


المجلس الانتقالي.. خطوات استراتيجية ترسخ أسس دولة الجنوب

الإثنين - 08 سبتمبر 2025 - 10:52 م بتوقيت عدن

المجلس الانتقالي.. خطوات استراتيجية ترسخ أسس دولة الجنوب

نبا نيوز /خاص


في ظل بيئة إقليمية مضطربة، وصراع داخلي يمتد لعقود، يواصل المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، مسيرة البناء الوطني في الجنوب، معتمدًا على استراتيجية متكاملة تجمع بين السياسة، الأمن، التنمية، والتعليم.

الأسبوع المنصرم كان نموذجًا حيًا على هذه الاستراتيجية، إذ شهد الجنوب سلسلة من المبادرات والأنشطة المتنوعة، التي لم تقتصر على معالجة القضايا الراهنة، بل امتدت لتوجيه رسائل واضحة للداخل والخارج حول متانة الدولة الجنوبية القادمة، وقدرتها على إدارة ملفاتها المعقدة بمهنية ووعي.

وجه المجلس الانتقالي الجنوبي جهوده نحو بناء الإنسان باعتباره الركيزة الأساسية لبناء الدولة، إلى جانب تعزيز القدرات العسكرية والأمنية، وتحريك عجلة الاقتصاد، وفتح قنوات التعاون الدولي، وهي خطوات مهمة ومؤثرة في مسيرة المجلس نحو استعادة الدولة وضمان استقرارها.
كما يعكس حجم التحديات التي يواجهها الجنوب، والتي تتطلب قيادة رشيدة قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة ضمن رؤية واضحة.

الاستثمار في الإنسان

شهد الجنوب في الأسبوع المنصرم وداع مائة طالب وطالبة متجهين إلى الجامعات الإماراتية ضمن منحة تعليمية سخية، وهي المبادرة التي حضرها الرئيس عيدروس الزُبيدي شخصيًا، مؤكّدًا في كلمته أن هؤلاء الطلاب سيكونون سفراء للجنوب في ميادين العلم والمعرفة.
هذه المبادرة، التي تتجاوز البعد التعليمي، تشكّل حجر زاوية في استراتيجية المجلس الرامية إلى تمكين الإنسان الجنوبي وتطوير طاقاته العلمية والمعرفية.

في ظل العلاقة الوثيقة بين الجنوب والإمارات، والتي تتجسد في هذه البعثة،تثبت هذه المنحة أن علاقة الجنوب بالإمارات ليس مجرد دعم سياسي أو عسكري، بل شراكة استراتيجية متكاملة تشمل التعليم والتنمية والاقتصاد وتأهيل كوادر الدولة الجنوبية المستقبلية وتعزيز قدرتها على التطور والبناء.
من خلال هذه المبادرة، يبعث المجلس برسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن الجنوب قادر على بناء ذاته، وتأهيل أجياله، وضمان مستقبل مستقر وواعد.

على الصعيد الشعبي، أحدثت البعثة صدى واسعًا بين الأهالي، واعتبرت بارقة أمل حقيقية للشباب، الذين عاشوا عقودًا من الحرمان والفوضى،كما عززت هذه المبادرة من الشعور بالانتماء والولاء للمشروع الوطني الجنوبي، من خلال منح الفرصة الحقيقية للشباب للمشاركة في بناء مستقبلهم.

بناء الجيش الجنوبي

قبل أسبوع حلت الذكرى الـ54 لتأسيس الجيش الجنوبي والتي شهدت احتفاء واسع من كل فئات الشعب الجنوبي في مشهد يعكس الارتباط العميق بين الهوية الوطنية والمؤسسة العسكرية.
فالجيش الذي تأسس عام 1971 شكل العمود الفقري للدولة الجنوبية المستقلة حينها، واستمر في حماية الحدود وبناء مؤسسات الدولة وكان نموذج للجيش المحترف والمبني على أسس وطنية جعلت منه واحداً من أبرز الجيوش في العالم.

اليوم، ومع استمرار الحرب وعدم استقرار الوضع في اليمن، يثبت الجيش الجنوبي بوجوده في ميادين المواجهة أنه امتداد طبيعي لتاريخ وثقافة الدفاع عن الأرض والإنسان،وأن الشعب الجنوبي قادر على استعادة أمجاد الماضي من خلال إعادة بناء المؤسسة العسكرية وتعزيز قدرتها على حماية سيادة الدولة الجنوبية ومصالحها الوطنية.

خلال الاحتفال أكد الرئيس الزُبيدي أن القوات المسلحة الجنوبية ستظل الدرع الحصين والحامي الأمين، مجددًا العهد بالسير على خطى الشهداء والوفاء لدماءهم التي سالت في سبيل تحقيق الاستقلال وبناء دولة جنوبية تعيد للشعب الجنوبي أمنه وحريته وتؤسس لوطن تسوده قيم السلام والتسامح والعدالة الاجتماعية

جاءت كلمات الرئيس الزبيدي لتجسد الواقع العسكري القوي للجنوب، وتعكس حرص القيادة على تعزيز الروح الوطنية لدى الجنود، وربط مفهوم الأمن بالدفاع عن الدولة والمواطن في آن واحد.

لم يكن إحياء هذه الذكرى مجرد طقس احتفالي، بل رسالة استراتيجية للداخل من خلال تعزيز الانتماء والوعي الوطني، ورسالة خارجية تفيد أن الجنوب يمتلك مؤسسات قوية وراسخة لا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات سياسية مستقبلية.

الاقتصاد والتنمية

عقدت القيادة التنفيذية العليا للمجلس اجتماعًا موسعًا، برئاسة نائب الرئيس عبدالرحمن المحرمي، لمناقشة خطط التنمية الاقتصادية ووضع رؤية شاملة لإدارة الملفات الاقتصادية الحساسة.
ركز الاجتماع على ضرورة تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص وخلق فرص عمل مستدامة، والتحضير لمؤتمر اقتصادي في عدن لجذب الاستثمار المحلي والدولي،وكذلك ضبط الأسعار وتعزيز المخزون الغذائي لمواجهة التحديات المرتبطة بتقلبات السوق،
كما تطرق الاجتماع لفكرة تأسيس وحدة لمعالجة الكوارث وتحسين شبكة الصرف الصحي ومعالجة الأضرار الناتجة عن السيول، وافتتاح محطات طاقة نظيفة بدعم إماراتي في خطوة نحو الطاقة المستدامة.

يهدف المؤتمر الاقتصادي المرتقب إلى وضع الجنوب على خريطة الاقتصاد الإقليمي، وإرسال رسالة واضحة للمستثمرين الدوليين بأن هناك قيادة تتمتع بالرؤية والقدرة على إدارة الملفات الاقتصادية الحرجة.
كما يشكل المؤتمر فرصة لإبراز نموذج إداري مختلف وفعال يقطع الطريق أمام محاولات التشكيك في قدرة الجنوب على إدارة مؤسساته.

ملف الكهرباء

ناقش نائب الرئيس المحرمي مع وزير الكهرباء مانع بايمين خطط تطوير البنية التحتية الكهربائية، بما يخفف العبء عن المواطنين ويضمن استمرارية الخدمات.
وتم خلال اللقاء التحضير للمؤتمر الوطني للطاقة المقرر منتصف نوفمبر، بإشراف البنك الدولي، ما يفتح الباب أمام دعم دولي واستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة.

تأتي هذه التحركات في إطار خطة شاملة للجنوب نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة والمستدامة، وتحويل أزمة الكهرباء الطويلة إلى فرصة لتطوير البنية التحتية، وتعزيز قدرة الدولة على مواجهة تحديات المستقبل.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة وفي إطار دعمها السخي للجنوب قد قامت ببناء محطتين للكهرباء في عدن وشبوة تعملان بالطاقة الشمسية أسهمتا في تغطية جزء من العجز الكبير وتقليص عدد ساعات الانطفاء التي تمتد لأكثر من ثمان ساعات مقابل ساعتي تشغيل الأمر الذي انعكس ايجابياً على حياة المواطنين الذين يكتوون بنار الصيف.

جبهات العسكرية

خاضت القوات المسلحة الجنوبية مواجهات ضد مليشيات الحوثي في الضالع ويافع، مؤكدة استمرارية جاهزيتها وقدرتها على حماية الحدود ومواجهة أي تهديد.

واصلت القوات الجنوبية أيضاً عملياتها ضد تنظيم القاعدة في أبين وشبوة، ما أسفر عن تقليل قدرات التنظيم على تنفيذ عملياته، وأكد أن الجنوب لا يحمي نفسه فقط، بل يساهم في أمن المنطقة.

تعزز هذه العمليات العسكرية موقع المجلس على طاولة التفاوض، وتبرز قدرته على إدارة الأرض والسلاح، وهو ما يجعل الجنوب قوة حقيقية لا يمكن تجاهلها في أي ترتيبات سياسية أو أمنية مستقبلية.

رسائل متعددة

العلاقات الوثيقة مع دولة الإمارات تعكس شراكة شاملة في الأمن، التعليم، والتنمية، وتؤكد أن الجنوب قادر على بناء مؤسساته بالتعاون مع شركاء دوليين موثوقين.

كما أن الإعداد والتجهيز للمؤتمرات الاقتصادية والإنسانية بإشراف البنك الدولي تعكس حرص المجلس على كسب ثقة المجتمع الدولي، وإظهار الجنوب كنموذج لإدارة الدولة بشكل مسؤول ومستدام.
كما تعزز الإنجازات العسكرية والأمنية مكانة المجلس كقوة أمر واقع تمتلك الشرعية الشعبية، السلاح، والأرض، ما يمنحه أوراق قوة في أي تسوية سياسية مستقبلية.

بينما يغرق الشمال تحت سلطة مليشيات الحوثي في أزمات إنسانية ومعيشية مستمرة، يعكف الجنوب على بناء مؤسساته، وتوفير الخدمات، وتحقيق الأمن والاستقرار.
هذا التناقض الواضح يعكس نجاح المجلس الانتقالي الجنوبي في تقديم نموذج متكامل لإدارة الدولة رغم كل الظروف المحيطة.

البعد الإنساني

جميع هذه النشاطات - من التعليم إلى الطاقة، ومن الجيش إلى الاقتصاد - تصب في النهاية في مصلحة المواطن الجنوبي، الذي عاش سنوات طويلة من الحرمان والتهميش. المبادرات الحكومية والشراكات الدولية تهدف إلى تخفيف معاناته وتحسين جودة حياته اليومية، وتعكس اهتمام القيادة بالبعد الإنساني في كل قرار تتخذه.

يمكن القول إن تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي جسّدت استراتيجية متكاملة للرئيس عيدروس الزُبيدي والمجلس من خلال استثمار الإنسان عبر التعليم والبعثات الدراسية، وتعزيز الهوية الوطنية عبر الجيش والموروث العسكري، والإصلاح الاقتصادي والتنموي من خلال المؤتمرات والخطط الاقتصادية، وكذلك توطيد الشراكات الدولية مع الإمارات العربية المتحدة والبنك الدولي، وتعزيز حالة الأمن والاستقرار عبر القوات المسلحة ومكافحة الإرهاب.

تؤكد كل هذه الخطوات أن الجنوب يسير نحو استعادة مكانته ودولته، وأن قيادة الرئيس عيدروس الزُبيدي تنتهج نهجًا متوازنًا يجمع بين العقلانية السياسية والبعد الإنساني والقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

إن أسبوعًا واحدًا من هذه النشاطات يكشف عمق رؤية المجلس الانتقالي، وقدرته على إدارة الملفات المعقدة، ويثبت أن الجنوب ليس فقط حاضرًا على الساحة السياسية، بل يشكل نموذجًا متقدمًا لإدارة الدولة والمؤسسات رغم كل الصعاب.