في بلدٍ أنهكته الحرب وأثقلته سنوات العزلة، يصبح أي مشروع يفتح نافذة أمل بمثابة فرصة لإعادة اكتشاف أنفسنا من جديد ومن بين هذه الفرص يبرز مشروع طيران عدن التابع لرجل الأعمال الشيخ/سمير احمد القطيبي اليافعي رئيس مجلس إدارة مجموعة القطيبي التجارية في خطوة تتجاوز مجرد إنشاء شركة طيران جديدة، لتلامس جوهر التحدي الذي يعيشه اليمن اليوم: كيف نستعيد اتصالنا بالعالم ونحن بالكاد نستعيد توازننا الداخلي؟
إن إطلاق مشروع طيران عدن ليس مجرد عمل تجاري، بل هو فعل مقاومة ضد واقع حاول أن يحاصر اليمنيين داخل حدود الألم والقيود، إنه إعلان بأن هناك من يؤمن بأن المستقبل لا يُصنع بالانتظار، بل بالمبادرة، وبناء المؤسسات، وإحياء القطاعات التي تراجعت بفعل الظروف والصراعات.
ولطالما كانت عدن بوابة اليمن البحرية والتجارية، واليوم تحاول أن تستعيد دورها كبوابة جوية أيضاً. فوجود ناقل وطني حديث ينطلق من عدن يعني إعادة الاعتبار لهذه المدينة التي دفعت – وما تزال – ثمناً باهظاً لتقلبات السياسة والحرب.
أما المواطن اليمني، الذي أصبح السفر بالنسبة له عبئاً مادياً ونفسياً، فهو المستفيد الأول من مشروع كهذا. إذ يَعِدُ طيران عدن بخدمات لائقة وأسعار معقولة، تُشعر المواطن بأن له الحق في السفر براحة وكرامة كما يفعل أي مواطن في العالم.
ما يميز هذا المشروع أنه نابع من رؤية وطنية لرجل أعمال لم يكتفِ بدوره الاقتصادي التقليدي، فالمشروع يقدم نموذجاً للتاجر الوطني الذي يدرك أن الاستثمار الحقيقي لا يكتمل إن لم يلامس حياة الناس، ويخلق فرصاً جديدة، ويعيد الحيوية لقطاعات تكاد تُنسى.
ومهما بدا المشروع في بداياته محدوداً، فإن أهميته تكمن في الرسالة التي يقدمها: اليمن ما زال قادراً على النهوض، وبإمكان القطاع الخاص أن يلعب دوراً يتجاوز الربح والخسارة.
قطاع الطيران ليس مجرد رحلات ومقاعد، بل هو شريان اقتصادي ينعش السياحة، ويحرك التجارة، ويخلق فرص عمل، ويُعيد ترتيب صورة البلد في الخارج. ووجود شركة وطنية جديدة يعني أن اليمن يبدأ تدريجياً باستعادة دوره الطبيعي ضمن شبكة الحركة الجوية الإقليمية والدولية.
قد لا تُحل أزمات اليمن بشركة طيران، ولكنها قد تُسهم في تغيير المزاج العام، وبناء ثقة جديدة بأن البلد قادر على امتلاك مؤسساته، وإدارة مشاريعه، وفتح الأبواب أمام جيلٍ يبحث عن فرصة ليعمل ويبدع.
في نهاية المطاف، يبقى مشروع طيران عدن خطوة جريئة في بلد يحتاج إلى الجرأة أكثر من أي وقت مضى صحيح أن الطريق طويل، وأن التحديات كثيرة، لكن وجود مبادرات كهذه يثبت أن العتمة ليست قدراً، وأن المستقبل يمكن أن يبدأ برحلة… حتى وإن كانت قصيرة، أو تجريبية، لكنها تحمل معنى كبير وكون ماتم إنجازه يؤكد أن القادم يحمل بشائر خير للجميع.
إنها ليست مجرد شركة طيران، بل رسالة تقول: لدينا القدرة على النهوض… فقط نحتاج من يؤمن بهذا البلد.